دعوة القرآن إلى الإيمان والتوحيد ونبذ الكفر والشرك
صفحة 1 من اصل 1
دعوة القرآن إلى الإيمان والتوحيد ونبذ الكفر والشرك
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله
من أوَّل مجالات الدَّعوة في القُرآن الكريم التي خاطَب الله بها خلقَه وعبادَه دعوتُه إلى الإيمان بالله - تعالى - وحدَه، وإخلاص التوحيد له - سبحانه - ونبْذ الكُفر والشِّرك، والإعراض عن الخُرافات والانحِراف عن العقيدة الصحيحة بكلِّ الأشكال والصُّوَر المخالفة للعقل والفطرة الأولى التي فطَر الله الناس عليها، ألا وهي فطرةُ التوحيد والإيمان بالله: ﴿ فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ﴾ [الروم: 30].
ضرورة الإيمان والعقيدة:
إنَّ الإنسان مخلوقٌ من مخلوقات الله - عزَّ وجلَّ - وصَلاح حياته مرهونٌ بمعرفة الحق واتِّباعه، وفسادها نتيجةٌ محتومةٌ لجهله بالحق، أو تمرُّده عليه وإنْ عرَفَه.
ولَمَّا كان الله - سبحانه - هو الحق، ومنه الحق، وأمره وتدبيره هو الحق، فإنَّ سبب فَساد الحياة البشريَّة كلها هو الكُفر بالخالق، والكُفر بأمره وتدبيره، والكُفر بما أنزل من الحقِّ، وسبب صلاح هذه الحياة كلها هو الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ.
ولذلك قال - عزَّ مِن قائل -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنٌ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124].
ولا يتبع هُداه إلا مَن آمَن به وذكَرَه، واستشعر وجودَه، وصِفاته، وعظمته - سبحانه.
ومَن نسي ذِكرَ الله، أعرَض عن هُداه، والإنسانُ في هذه الدنيا مُمتَحن بهذين الأمرين:
1- ذكر الله واتِّباع هُداه.
2- أو نسيانه والضلال.
فهو على مفترق طريقين لا ثالث لهما: طريق الإيمان والهدى والسَّعادة في الدُّنيا والآخِرة، وطريق الكُفر والضلال والشَّقاء في الدارين.
لذا كان أشرف ما يتعلَّمه الإنسان، ويعلِّمه غيره أمور الإيمان وأركانه ومُقتَضياته، وأحوط ما يَحتاط ويتسلَّح به معرفة مَعالِم الكفر وأسبابه ومُقتَضياته.
فإنْ كان على بصيرةٍ من هذين الأمرين الخطيرين، عرَف الإنسان طريق سَعادته فالتزَمَه، ولم يحدْ عنه، وطريق شَقائه فاجتنبه[1].
ومن ثَمَّ كانت عقيدة التوحيد والإيمان ضرورةً لا يستَغنِي عنها الإنسان ليستكمل شخصيَّته ويحقِّق إنسانيَّته.
ولقد كانت الدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان أوَّل شيء قام به رسول الله - صلواتُ الله وسَلامُه عليه - لتكون حجر الزاوية في بِناء الأمَّة الإسلاميَّة.
ذلك أنَّ رُسوخ هذه العقيدة في النَّفس الإنسانيَّة، يَسمُو بها عن الماديَّات الوضيعة، ويُوجِّهها دائمًا وجهة الخير والنُّبل والنَّزاهة والشَّرف.
وإذا سَيْطرت هذه العقيدة أثمرت الفَضائل الإنسانيَّة العُليا، من الشَّجاعة والكرَم، والسَّماحة والطُّمأنينة، والإيثار والتضحية[2].
• أمَّا الانحِراف عن العقيدة الصحيحة، فهو مهلكة وضَياع؛ لأنَّ العقيدة الصحيحة هي الدافع القويُّ إلى العمل الصالح، والفرد بلا عقيدة صحيحة يكون فريسةً للأوهام والشُّكوك التي ربما تتَراكَمُ عليه، فتحجب عنه الرُّؤية الصحيحة لدروب الحياة السَّعيدة؛ حتى تضيق عليه حياته، ثم يحاول التخلُّص من هذا الضيق بإنهاء حَياته ولو بالانتحار، كما هو الواقع في كثيرٍ من الأفراد الذين فقَدُوا هداية العقيدة الصحيحة.
والمجتمع الذي لا تسودُه العقيدة الصحيحة هو مجتمعٌ ضالٌّ، ويفقد كلَّ مُقوِّمات الحياة السعيدة، وإنْ كان يملك الكثير من مُقوِّمات الحياة الماديَّة التي كثيرًا ما تقودُه إلى الدَّمار، كما هو مُشاهَدٌ في المجتمعات الضالَّة؛ لأنَّ هذه المقومات الماديَّة تحتاج إلى توجيه رشيد للاستفادة من خَصائصها ومَنافعها، ولا مُوجِّه لها سوى هذه العقيدة الصحيحة؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51].
فقوَّة العقيدة يجبُ ألاَّ تنفك عن القوَّة الماديَّة، فإنِ انفكَّت عنها بالانحِراف إلى العقائد الباطلة، صارت القوَّة الماديَّة وسيلةَ دمارٍ وانحدارٍ، كما هو مُشاهَد اليوم في الدول غير الإسلاميَّة التي تملك مادَّة ولا تملك عقيدة صحيحة[3].
ونزيدُ الحديث في الإيمان ونقيضه، والتوحيد ونقيضه أيضًا فيما يلي:
أولاً: الإيمان:
(أ) أركان العقيدة:
وهذه العقيدة الإسلاميَّة تقوم على ستَّة أركان، تُسمَّى أركان الإيمان، وهي بإيجازٍ كما يلي:
1- الإيمان بالله - تعالى -: ربًّا وإلهًا، موصوفًا بكلِّ كمال، مُنزَّهًا عن كلِّ نقصان.
2- الإيمان بملائكة الله: وأنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يُؤمَرون، خلقهم الله من نورٍ، منهم الحفظة على العِباد، ومنهم الموكَّلون بقبْض الأرواح، ومنهم خزنة النار، ومنهم غير ذلك.
3- الإيمان بكتب الله: وأنها من وحي الله - تعالى - إلى مَن اصطفاهم من رُسُلِه، تَحمِلُ الشرائع والهدى والنُّور للمؤمنين المتَّقين.
4- الإيمان برسل الله: مبشِّرين ومنذِرين، قطَع الله - تعالى - بهم على الناس الحجَّة، وبيَّن بهم للعباد المحجَّة، فمَن آمَن بهم وأطاعَهُم واتَّبع هُداهم، نجا، ومَن كفَر بهم وعَصاهم واتَّبع غير هَداهم، هلَك.
5- الإيمان باليوم الآخِر: وأنَّه اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحياة، وتكونُ فيه الحياة الآخرة؛ حيثُ البعث، والحساب والجزاء، والجنَّة والنار.
6- الإيمان بالقضاء والقدر: وكون القضاء والقدر نِظامًا للحياة كلها لا يخرُج بشيءٍ منها - وإن قَلَّ - عمَّا حَواه كتابه، الذي هو اللوح المحفوظ، حيث كتَب الله - تعالى - فيه كلَّ ما قضى بوجوده من خيرٍ وشرٍّ في الدُّنيا، وسعادة وشَقاء في الآخِرة.
فهذه الأمور الستَّة هي أركان الإيمان والعقيدة، وهي الأصولُ التي بُعِثَ بها الرُّسل جميعًا - عليهم صلوات الله وسلامه - ونزَلتْ بها الكتبُ، ولا يتمُّ إيمانُ أحدٍ إلا إذا آمَن بها جميعًا، على الوجه الذي دلَّ عليه كتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومَن جحَد شيئًا منها خرَج عن دائرة الإيمان وصارَ من الكافِرين.
(ب) أصول الإيمان في القُرآن:
وهذه جملةٌ من الآيات القُرآنيَّة التي تدعو إلى معرفة الله والإيمان به - سبحانه - والإيمان بالملائكة والكتب والرسل، والإيمان باليوم الآخِر والقضاء والقدر.
قال - تعالى -: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ﴾ [البقرة: 177].
وقال - تعالى -: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
• وقال - سبحانه وتعالى - في شأن الملائكة: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [غافر: 7].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر: 75].
وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24].
• وفي شأن الكتب السماوية يقول - تعالى -: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184].
وفي شأن التوراة يقول - سبحانه -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44].
وفي شأن الإنجيل يقولُ - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46].
وفي شأن الزَّبُور يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ﴾ [الإسراء: 55].
وفي شأن الصُّحُفِ يقول - سبحانه -: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19].
وفي شأن القُرآن قال - سبحانه -: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 2 - 4].
وقال - سبحانه -: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].
• أمَّا في شأن رسل الله - عليهم السلام - فيقول - سبحانه -: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء: 164].
وقال - سبحانه -: ﴿ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].
وقال - تعالى -: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73].
وقال - سبحانه -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].
• أمَّا في شأن اليوم الآخِر وأحواله فيقول - جلَّ ذكرُه -: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ [محمد: 18].
وقال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82].
وقال - سبحانه -: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ﴾ [البقرة: 177].
وقال - جلَّ ذكره -: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 3].
وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1].
وقال - تعالى -: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39].
وقال - سبحانه -: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 21، 22].
• أمَّا عن القضاء والقدَر، فيقول - تعالى -: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8].
ويقول - سبحانه -: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68].
وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
وقال - جلَّ ثناؤه -: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].
* * *
من أوَّل مجالات الدَّعوة في القُرآن الكريم التي خاطَب الله بها خلقَه وعبادَه دعوتُه إلى الإيمان بالله - تعالى - وحدَه، وإخلاص التوحيد له - سبحانه - ونبْذ الكُفر والشِّرك، والإعراض عن الخُرافات والانحِراف عن العقيدة الصحيحة بكلِّ الأشكال والصُّوَر المخالفة للعقل والفطرة الأولى التي فطَر الله الناس عليها، ألا وهي فطرةُ التوحيد والإيمان بالله: ﴿ فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ﴾ [الروم: 30].
ضرورة الإيمان والعقيدة:
إنَّ الإنسان مخلوقٌ من مخلوقات الله - عزَّ وجلَّ - وصَلاح حياته مرهونٌ بمعرفة الحق واتِّباعه، وفسادها نتيجةٌ محتومةٌ لجهله بالحق، أو تمرُّده عليه وإنْ عرَفَه.
ولَمَّا كان الله - سبحانه - هو الحق، ومنه الحق، وأمره وتدبيره هو الحق، فإنَّ سبب فَساد الحياة البشريَّة كلها هو الكُفر بالخالق، والكُفر بأمره وتدبيره، والكُفر بما أنزل من الحقِّ، وسبب صلاح هذه الحياة كلها هو الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ.
ولذلك قال - عزَّ مِن قائل -: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنٌ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124].
ولا يتبع هُداه إلا مَن آمَن به وذكَرَه، واستشعر وجودَه، وصِفاته، وعظمته - سبحانه.
ومَن نسي ذِكرَ الله، أعرَض عن هُداه، والإنسانُ في هذه الدنيا مُمتَحن بهذين الأمرين:
1- ذكر الله واتِّباع هُداه.
2- أو نسيانه والضلال.
فهو على مفترق طريقين لا ثالث لهما: طريق الإيمان والهدى والسَّعادة في الدُّنيا والآخِرة، وطريق الكُفر والضلال والشَّقاء في الدارين.
لذا كان أشرف ما يتعلَّمه الإنسان، ويعلِّمه غيره أمور الإيمان وأركانه ومُقتَضياته، وأحوط ما يَحتاط ويتسلَّح به معرفة مَعالِم الكفر وأسبابه ومُقتَضياته.
فإنْ كان على بصيرةٍ من هذين الأمرين الخطيرين، عرَف الإنسان طريق سَعادته فالتزَمَه، ولم يحدْ عنه، وطريق شَقائه فاجتنبه[1].
ومن ثَمَّ كانت عقيدة التوحيد والإيمان ضرورةً لا يستَغنِي عنها الإنسان ليستكمل شخصيَّته ويحقِّق إنسانيَّته.
ولقد كانت الدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان أوَّل شيء قام به رسول الله - صلواتُ الله وسَلامُه عليه - لتكون حجر الزاوية في بِناء الأمَّة الإسلاميَّة.
ذلك أنَّ رُسوخ هذه العقيدة في النَّفس الإنسانيَّة، يَسمُو بها عن الماديَّات الوضيعة، ويُوجِّهها دائمًا وجهة الخير والنُّبل والنَّزاهة والشَّرف.
وإذا سَيْطرت هذه العقيدة أثمرت الفَضائل الإنسانيَّة العُليا، من الشَّجاعة والكرَم، والسَّماحة والطُّمأنينة، والإيثار والتضحية[2].
• أمَّا الانحِراف عن العقيدة الصحيحة، فهو مهلكة وضَياع؛ لأنَّ العقيدة الصحيحة هي الدافع القويُّ إلى العمل الصالح، والفرد بلا عقيدة صحيحة يكون فريسةً للأوهام والشُّكوك التي ربما تتَراكَمُ عليه، فتحجب عنه الرُّؤية الصحيحة لدروب الحياة السَّعيدة؛ حتى تضيق عليه حياته، ثم يحاول التخلُّص من هذا الضيق بإنهاء حَياته ولو بالانتحار، كما هو الواقع في كثيرٍ من الأفراد الذين فقَدُوا هداية العقيدة الصحيحة.
والمجتمع الذي لا تسودُه العقيدة الصحيحة هو مجتمعٌ ضالٌّ، ويفقد كلَّ مُقوِّمات الحياة السعيدة، وإنْ كان يملك الكثير من مُقوِّمات الحياة الماديَّة التي كثيرًا ما تقودُه إلى الدَّمار، كما هو مُشاهَدٌ في المجتمعات الضالَّة؛ لأنَّ هذه المقومات الماديَّة تحتاج إلى توجيه رشيد للاستفادة من خَصائصها ومَنافعها، ولا مُوجِّه لها سوى هذه العقيدة الصحيحة؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51].
فقوَّة العقيدة يجبُ ألاَّ تنفك عن القوَّة الماديَّة، فإنِ انفكَّت عنها بالانحِراف إلى العقائد الباطلة، صارت القوَّة الماديَّة وسيلةَ دمارٍ وانحدارٍ، كما هو مُشاهَد اليوم في الدول غير الإسلاميَّة التي تملك مادَّة ولا تملك عقيدة صحيحة[3].
ونزيدُ الحديث في الإيمان ونقيضه، والتوحيد ونقيضه أيضًا فيما يلي:
أولاً: الإيمان:
(أ) أركان العقيدة:
وهذه العقيدة الإسلاميَّة تقوم على ستَّة أركان، تُسمَّى أركان الإيمان، وهي بإيجازٍ كما يلي:
1- الإيمان بالله - تعالى -: ربًّا وإلهًا، موصوفًا بكلِّ كمال، مُنزَّهًا عن كلِّ نقصان.
2- الإيمان بملائكة الله: وأنهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يُؤمَرون، خلقهم الله من نورٍ، منهم الحفظة على العِباد، ومنهم الموكَّلون بقبْض الأرواح، ومنهم خزنة النار، ومنهم غير ذلك.
3- الإيمان بكتب الله: وأنها من وحي الله - تعالى - إلى مَن اصطفاهم من رُسُلِه، تَحمِلُ الشرائع والهدى والنُّور للمؤمنين المتَّقين.
4- الإيمان برسل الله: مبشِّرين ومنذِرين، قطَع الله - تعالى - بهم على الناس الحجَّة، وبيَّن بهم للعباد المحجَّة، فمَن آمَن بهم وأطاعَهُم واتَّبع هُداهم، نجا، ومَن كفَر بهم وعَصاهم واتَّبع غير هَداهم، هلَك.
5- الإيمان باليوم الآخِر: وأنَّه اليوم الذي تنتهي فيه هذه الحياة، وتكونُ فيه الحياة الآخرة؛ حيثُ البعث، والحساب والجزاء، والجنَّة والنار.
6- الإيمان بالقضاء والقدر: وكون القضاء والقدر نِظامًا للحياة كلها لا يخرُج بشيءٍ منها - وإن قَلَّ - عمَّا حَواه كتابه، الذي هو اللوح المحفوظ، حيث كتَب الله - تعالى - فيه كلَّ ما قضى بوجوده من خيرٍ وشرٍّ في الدُّنيا، وسعادة وشَقاء في الآخِرة.
فهذه الأمور الستَّة هي أركان الإيمان والعقيدة، وهي الأصولُ التي بُعِثَ بها الرُّسل جميعًا - عليهم صلوات الله وسلامه - ونزَلتْ بها الكتبُ، ولا يتمُّ إيمانُ أحدٍ إلا إذا آمَن بها جميعًا، على الوجه الذي دلَّ عليه كتاب الله وسنَّة رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومَن جحَد شيئًا منها خرَج عن دائرة الإيمان وصارَ من الكافِرين.
(ب) أصول الإيمان في القُرآن:
وهذه جملةٌ من الآيات القُرآنيَّة التي تدعو إلى معرفة الله والإيمان به - سبحانه - والإيمان بالملائكة والكتب والرسل، والإيمان باليوم الآخِر والقضاء والقدر.
قال - تعالى -: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ ﴾ [البقرة: 177].
وقال - تعالى -: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].
• وقال - سبحانه وتعالى - في شأن الملائكة: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ [غافر: 7].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ [الزمر: 75].
وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24].
• وفي شأن الكتب السماوية يقول - تعالى -: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاؤوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184].
وفي شأن التوراة يقول - سبحانه -: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة: 44].
وفي شأن الإنجيل يقولُ - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 46].
وفي شأن الزَّبُور يقول - جلَّ وعلا -: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا ﴾ [الإسراء: 55].
وفي شأن الصُّحُفِ يقول - سبحانه -: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾ [الأعلى: 18، 19].
وفي شأن القُرآن قال - سبحانه -: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 2 - 4].
وقال - سبحانه -: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].
• أمَّا في شأن رسل الله - عليهم السلام - فيقول - سبحانه -: ﴿ قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 136].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾ [النساء: 164].
وقال - سبحانه -: ﴿ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124].
وقال - تعالى -: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73].
وقال - سبحانه -: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90].
• أمَّا في شأن اليوم الآخِر وأحواله فيقول - جلَّ ذكرُه -: ﴿ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ [محمد: 18].
وقال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 82].
وقال - سبحانه -: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ﴾ [البقرة: 177].
وقال - جلَّ ذكره -: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 3].
وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [الحج: 1].
وقال - تعالى -: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39].
وقال - سبحانه -: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 21، 22].
• أمَّا عن القضاء والقدَر، فيقول - تعالى -: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8].
ويقول - سبحانه -: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ﴾ [القصص: 68].
وقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
وقال - جلَّ ثناؤه -: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].
* * *
رد: دعوة القرآن إلى الإيمان والتوحيد ونبذ الكفر والشرك
ثانيًا: الكفر:
وكما دعا القُرآن إلى تحقيق الإيمان، نهى كذلك عن الوقوع في الكُفر وأسبابه، والكفر ضد الإيمان.
لأنَّ الكفر معناه: عدم الإيمان بالله ورسله؛ سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل مجرَّد شك أو ريب، أو إعراض أو حسد، أوكبر أو اتِّباع لبعض الأهواء الصادَّة عن اتِّباع الرسالة.
وإنْ كان المكذب أعظم كُفرًا، وكذلك الجاحد والمكذب حسدًا، مع استِيقان صِدق الرسل - عليهم السلام.
• أنواع الكفر:
وهذا الكفر له نوعان:
النوع الأول: الكفر الأكبر، وهو مخرجٌ من الملَّة، وهو خمسة أقسام:
1- كفر التكذيب:
ودليله قوله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 68].
2- كفر الإباء والاستكبار مع التصديق:
ودليله قول الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].
3- كفر الشكِّ:
وهو كُفر الظنِّ، ودليله قول الله - سبحانه -: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدتٌّ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36].
4- كفر الإعراض:
ودليله قول الله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: 3].
5- كفر النِّفاق:
ودليله قول الله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 3].
• النوع الثاني: الكُفر الأصغر، وهو لا يُخرِج من الملة، وهو الكفر العملي، ومن الذنوب التي وردت في الكتاب كفرًا وهي لا تصلُ إلى حدِّ الكفر الأكبر؛ مثل كفر النِّعمة، كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ ﴾ [النحل: 112].
ومثله في القِصاص قول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، فلم يُخرِج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخًا لوليِّ القصاص فقال: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178].
ومثله قول الله - سبحانه -: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9].
هذه أمثلةٌ لهذا النوع من الكفر، وهو كما أشَرْنا لا يُخرِج من الملة، ولكن يحمل صاحبه الذنوب والآثام[4].
* * *
ثالثًا: التوحيد:
الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ - معناه: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله ربُّ كلِّ شيء ومليكه وخالقه، وأنَّه الذي يستحقُّ وحدَه أنْ يُفرَدَ بالعبادة؛ من صلاةٍ وصومٍ ودُعَاء، ورجاء وخوف، وذل وخضوع، وأنَّه المتَّصف بصِفات الكمال كلِّها، المنزَّه عن كلِّ نقصٍ.
والإيمان بالله - سبحانه - يتضمَّن توحيدَه في ثلاثة أمور:
1- في ربوبيَّته.
2- وفي ألوهيَّته.
3- وفي أسمائه وصفاته.
ومعنى توحيده في هذه الأمور: اعتقاد تفرُّده - سبحانه - بالربوبيَّة والألوهيَّة، وصفات الكمال وأسماء الجلال.
فلا يكون العبد مؤمنًا بالله حتى يعتقد أنَّ الله ربُّ كلِّ شيءٍ ولا رب غيره، وإله كلِّ شيء ولا إله غيره، وأنَّه الكامل في صِفاته وأسمائه، ولا كامل غيره.
فهذه ثلاثةُ أنْواعٍ من التوحيد تدخُل في معنى الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ - وقد تضمَّن القُرآن ذِكْرَ هذه الأنواع في كثيرٍ من آياته الكريمة، مع بَيان حَقائقها والدَّعوة إليها؛ تحقيقًا لجانب الإيمان والتوحيد الذي بعَث الله به الرسل، وأنزل به الكُتب.
• أهميَّة التوحيد:
وتتجلَّى لنا هنا أهميَّة التوحيد في العقيدة الإسلامية، وأنَّه أصلُ الشريعة ولبُّها، وعليه تقومُ الأعمال، وبه تصلح أو تفسد، وذلك فيما يلي:
1- التوحيد: ضد الشرك، وهو الرُّكن الأساس الذي يُبنَى عليه الإسلامُ، ويتمثَّل في الشهادتين.
2- والتوحيد: دعوة جميع المرسلين إلى أممهم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
3- والتوحيد: هو الذي خلَق الله العالَمَ لأجله؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
4- والتوحيد: يشمل توحيد الرب والإله والحكم، والأسماء والصفات، وجميع أنواع العبادات.
5- والتوحيد: هو الذي تتوقَّف عليه سَعادةُ الإنسان وشَقاؤه في الدارَيْن.
6- والتوحيد: هو الذي فتَح به المسلمون البلاد، وأنقَذُوا العباد من عبادة الطُّغاة إلى عِبادة ربِّ العباد، ومن جور الأديان المحرَّفة إلى عدْل الإسلام المحفوظ.
7- والتوحيد: هو الذي يدفَعُ بالمسلم إلى الجهاد والتضحية والفِداء.
8- والتوحيد: هو الذي قامت المعارك من أجْله، واستشهد المسلمون في سبيله ثم انتصروا بسببه، ولا يَزالُ المسلمون يحاربون من أجله، ولا عزَّ لهم ولا نصرَ إلا بتحقيقه، فكما أنَّه استطاع في الماضي أنْ يُوحِّدهم ويُقِيمَ لهم دولةً كبيرة، فهو الآن قادر - بإذن الله - أنْ يعيدَ لهم مجدَهم ودولتَهم إذا عادوا إليه[5]، كما قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
هذه بعض المظاهر التي تُؤكِّد لنا وتُبيِّن أهميَّة التوحيد في حياة الأمَّة الإسلاميَّة وضَرُورته.
• ذكر التوحيد وأنواعه في القُرآن:
وقد دعا القُرآن الكريم الخلْقَ إلى إقامة التوحيد لله - تعالى - بكلِّ أنواعه وصُوَرِه التي أشَرْنا إليها، وهنا نشيرُ إليها من آيات القُرآن:
1- توحيد الربوبيَّة:
وهذا النَّوع من التوحيد مَعناه: الإقرار بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - هو الفاعل المُطلَق في الكون؛ بالخلق والتدبير، والتغيير والتسيير، والزيادة والنقص، والإحياء والإماتة، وغير ذلك من الأفعال، لا يُشارِكه أحدٌ في فِعله - سبحانه.
وقد أفصَحَ القُرآن عن هذا النَّوْعِ من التوحيد جدّ الإفصاح، ولا تَكادُ سُورة من سُوَرِه تخلو من ذِكره أو الإشارة إليه؛ فهو كالأساس بالنِّسبة لأنواع التوحيد الأخرى.
• وقد ذكَرَه الله - سبحانه - في عدَّة مَقامات في القُرآن؛ منها قوله - تعالى - في مَقام الحمد: ﴿ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].
وقوله - سبحانه -: ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الجاثية: 36].
• وفي مَقام التسليم أو الاستسلام لله يقول - سبحانه -: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71].
• وفي مقام التوجُّه وإخلاص القصد يقول - سبحانه -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
• وفي مقام تولِّي الله - عزَّ وجلَّ - يقول - تعالى -: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 14].
• وفي مقام الدُّعاء يقول - جلَّ ذكره -: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 54، 55].
• وفي مقام العبادة يقول - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
• وقد أقرَّ الكفَّارُ والمشركون بهذا النَّوْعِ، وسجَّل القُرآن الكريم ذلك وبيَّن عجزهم واعتِرافهم في غير آيةٍ منه؛ ومن ذلك قولُه - تعالى -: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ ﴾ [يونس: 31].
وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9].
وقوله - جلَّ ذكرُه -: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ للهِ ﴾ [المؤمنون: 86، 87].
وقوله: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9].
2- توحيد الألوهيَّة:
ومعناه: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله - سبحانه - هو الإله الحقُّ، ولا إلهَ غيرُه، وإفراده - سبحانه - بالعبادة.
وهذا التوحيد مَبنِيٌّ على إخْلاص العبادة لله وحدَه، في باطِنها وظاهرها؛ بحيث لا يكون شيءٌ منها لغيره - سبحانه - فالمؤمن بالله يَعبُد الله وحدَه ولا يعبُد غيرَه، فيخلص لله المحبَّةَ والخوف، والرَّجاء والدعاء، والتوكُّل والطاعة، والتذلُّل والخضوع، وجميعَ أنواع العبادة وأشكالِها.
وهذا النوع من التوحيد يتضمَّن في حقيقته جميعَ أنواع التوحيد الأخرى:
فيتضمَّن توحيد الله في ربوبيَّته، وتوحيده في أسمائه وصفاته، وليس العكس؛ من أجل ذلك كان هذا التوحيد أوَّل الدِّين وآخِره، وباطنه وظاهره، ومن أجلِه خُلِقتِ الخليقة؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحِّدين والمشركين، وعليه يَقَعُ الجزاء والثَّواب في الأولى والآخِرة، فمَن لم يأتِ به كان من المشركين"[6].
فهو أساسُ دعوةِ الرسل - عليهم السلام - وبه أُنزِلت الكتب السماويَّة، وعليه مَدار جميع العِبادات الشرعيَّة، وقد أبانَ القُرآن ذلك؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
وقال - سبحانه - عن نبيِّه نوح وهود وشعيب وصالح وغيرهم - عليهم السلام - لقومهم: ﴿ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾.
• وفي المحبَّة لله نهى عن اتِّخاذ الأنداد له فيها؛ فقال - سبحانه -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ ﴾ [البقرة: 165].
• وفي الدُّعاء يقول - سبحانه -: ﴿ وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 106].
• وفي التوكُّل يقول - تعالى -: ﴿ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23].
• وفي الرَّجاء يقولُ - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218].
• وفي الخوف يقول - تعالى -: ﴿ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51].
• وفي سائر العبادات كلِّها يقول - سبحانه -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
3- توحيد الأسماء والصفات:
ومَعناه إجمالاً: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - مُتَّصِفٌ بجميع صِفات الكَمال، ومُنَزَّهٌ عن جميع صِفات النقص، وأنَّه مُتفرِّدٌ عن جميع الكائنات، وذلك بإثْبات ما أثبتَه الله - سبحانه - لنفسه أو أثبتَه له رسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسُّنَّة، من غير تحريفِ ألفاظِها أو مَعانيها، ولا تَعطِيلها بنفيها أو نفي بعضِها عن الله - عزَّ وجلَّ - ولا تكييفها بتحديد كُنهها، وإثبات كيفيَّةٍ مُعيَّنةٍ لها، ولا تشبيهها بصفات المخلوقين.
وواضحٌ من هذا التعريف أنَّ توحيد الأسماء والصفات يقومُ على ثلاثة أسس، وهي:
1- تنزيه الله - جلَّ وعلا - عن مُشابهة الخلق، وعن أيِّ نقص.
2- الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسُّنَّة، دون تجاوُزها بالنقص منها أو الزيادة عليها، أو تحريفها أو تعطيلها.
3- قطْع الطمع عن إدراك كيفيَّة هذه الصفات.
وذِكرُ هذا النوع من التوحيد في القُرآن الكريم كثيرٌ جدًّا، بل إنَّه لا تخلو سورةٌ من سور القُرآن ولا صفحة من صفحاته من ذكر صِفات الله وأسمائه؛ فتجده مرَّة يُذكِّر بها في مختلف موضوعاته، من توحيدٍ وعبادةٍ وتشريعٍ، وفي مَقام أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وقصصه وأمثاله[7]، وقد جمَع الله جملةَ هذه الصفات في القُرآن في سورة الإخلاص وآية الكرسي وآخِر سورة الحشر؛ فقال - سبحانه -: ﴿ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].
وقال - تعالى -: ﴿ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22 - 24].
وفي التنزيه عن الشَّبيه والنَّظير والكُفء والمثيل يقول - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
ويقول - سبحانه -: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1-4].
وقال - سبحانه -: ﴿ فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأمْثَالَ ﴾ [النحل: 74].
رابعًا: الشرك:
أمَّا الكلام على الشِّرك، فستأتي الإشارةُ إليه في فصل الكبائر - إن شاء الله تعالى - ولكنْ نشيرُ إليه بشيءٍ من الإيجاز، فنقول:
"الشرك ضدُّ التوحيد، كما أنَّ الكُفر ضدُّ الإيمان؛ ومعناه: جعل شريكٍ لله - تعالى - في ربوبيَّته أو ألوهيَّته".
والغالب الإشراك في الألوهيَّة، بأنْ يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئًا من أنواع العبادة؛ كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبَّة، والشركُ أعظم الذُّنوب، وقد عدَّهُ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أكبرَ الكبائر في غير حديثٍ نبوي.
وقد ذكَر القُرآن الشِّرك وحرَّمه ونهى عنه وسمَّاه ظُلمًا، وتوعَّد صاحبه بعدَم المغفِرة والخلود في النار، كما بيَّن - سبحانه - أنَّه محبطٌ للأعمال:
فقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
وقال - جلَّ ثَناؤه -: ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88].
وقال - جلَّ ذكره -: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
• وينقَسِمُ الشِّرك إلى نوعين: أكبر وأصغر، أمَّا الأكبر، فقد قال - تعالى -: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].
أمَّا الأصغر وهو الرِّياء، فيقولُ - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]*.
وكما دعا القُرآن إلى تحقيق الإيمان، نهى كذلك عن الوقوع في الكُفر وأسبابه، والكفر ضد الإيمان.
لأنَّ الكفر معناه: عدم الإيمان بالله ورسله؛ سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل مجرَّد شك أو ريب، أو إعراض أو حسد، أوكبر أو اتِّباع لبعض الأهواء الصادَّة عن اتِّباع الرسالة.
وإنْ كان المكذب أعظم كُفرًا، وكذلك الجاحد والمكذب حسدًا، مع استِيقان صِدق الرسل - عليهم السلام.
• أنواع الكفر:
وهذا الكفر له نوعان:
النوع الأول: الكفر الأكبر، وهو مخرجٌ من الملَّة، وهو خمسة أقسام:
1- كفر التكذيب:
ودليله قوله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ ﴾ [العنكبوت: 68].
2- كفر الإباء والاستكبار مع التصديق:
ودليله قول الله - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].
3- كفر الشكِّ:
وهو كُفر الظنِّ، ودليله قول الله - سبحانه -: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدتٌّ إِلَى رَبِّي لأجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 35، 36].
4- كفر الإعراض:
ودليله قول الله - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: 3].
5- كفر النِّفاق:
ودليله قول الله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 3].
• النوع الثاني: الكُفر الأصغر، وهو لا يُخرِج من الملة، وهو الكفر العملي، ومن الذنوب التي وردت في الكتاب كفرًا وهي لا تصلُ إلى حدِّ الكفر الأكبر؛ مثل كفر النِّعمة، كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ ﴾ [النحل: 112].
ومثله في القِصاص قول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، فلم يُخرِج القاتل من الذين آمنوا، وجعله أخًا لوليِّ القصاص فقال: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 178].
ومثله قول الله - سبحانه -: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9].
هذه أمثلةٌ لهذا النوع من الكفر، وهو كما أشَرْنا لا يُخرِج من الملة، ولكن يحمل صاحبه الذنوب والآثام[4].
* * *
ثالثًا: التوحيد:
الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ - معناه: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله ربُّ كلِّ شيء ومليكه وخالقه، وأنَّه الذي يستحقُّ وحدَه أنْ يُفرَدَ بالعبادة؛ من صلاةٍ وصومٍ ودُعَاء، ورجاء وخوف، وذل وخضوع، وأنَّه المتَّصف بصِفات الكمال كلِّها، المنزَّه عن كلِّ نقصٍ.
والإيمان بالله - سبحانه - يتضمَّن توحيدَه في ثلاثة أمور:
1- في ربوبيَّته.
2- وفي ألوهيَّته.
3- وفي أسمائه وصفاته.
ومعنى توحيده في هذه الأمور: اعتقاد تفرُّده - سبحانه - بالربوبيَّة والألوهيَّة، وصفات الكمال وأسماء الجلال.
فلا يكون العبد مؤمنًا بالله حتى يعتقد أنَّ الله ربُّ كلِّ شيءٍ ولا رب غيره، وإله كلِّ شيء ولا إله غيره، وأنَّه الكامل في صِفاته وأسمائه، ولا كامل غيره.
فهذه ثلاثةُ أنْواعٍ من التوحيد تدخُل في معنى الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ - وقد تضمَّن القُرآن ذِكْرَ هذه الأنواع في كثيرٍ من آياته الكريمة، مع بَيان حَقائقها والدَّعوة إليها؛ تحقيقًا لجانب الإيمان والتوحيد الذي بعَث الله به الرسل، وأنزل به الكُتب.
• أهميَّة التوحيد:
وتتجلَّى لنا هنا أهميَّة التوحيد في العقيدة الإسلامية، وأنَّه أصلُ الشريعة ولبُّها، وعليه تقومُ الأعمال، وبه تصلح أو تفسد، وذلك فيما يلي:
1- التوحيد: ضد الشرك، وهو الرُّكن الأساس الذي يُبنَى عليه الإسلامُ، ويتمثَّل في الشهادتين.
2- والتوحيد: دعوة جميع المرسلين إلى أممهم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
3- والتوحيد: هو الذي خلَق الله العالَمَ لأجله؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
4- والتوحيد: يشمل توحيد الرب والإله والحكم، والأسماء والصفات، وجميع أنواع العبادات.
5- والتوحيد: هو الذي تتوقَّف عليه سَعادةُ الإنسان وشَقاؤه في الدارَيْن.
6- والتوحيد: هو الذي فتَح به المسلمون البلاد، وأنقَذُوا العباد من عبادة الطُّغاة إلى عِبادة ربِّ العباد، ومن جور الأديان المحرَّفة إلى عدْل الإسلام المحفوظ.
7- والتوحيد: هو الذي يدفَعُ بالمسلم إلى الجهاد والتضحية والفِداء.
8- والتوحيد: هو الذي قامت المعارك من أجْله، واستشهد المسلمون في سبيله ثم انتصروا بسببه، ولا يَزالُ المسلمون يحاربون من أجله، ولا عزَّ لهم ولا نصرَ إلا بتحقيقه، فكما أنَّه استطاع في الماضي أنْ يُوحِّدهم ويُقِيمَ لهم دولةً كبيرة، فهو الآن قادر - بإذن الله - أنْ يعيدَ لهم مجدَهم ودولتَهم إذا عادوا إليه[5]، كما قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].
هذه بعض المظاهر التي تُؤكِّد لنا وتُبيِّن أهميَّة التوحيد في حياة الأمَّة الإسلاميَّة وضَرُورته.
• ذكر التوحيد وأنواعه في القُرآن:
وقد دعا القُرآن الكريم الخلْقَ إلى إقامة التوحيد لله - تعالى - بكلِّ أنواعه وصُوَرِه التي أشَرْنا إليها، وهنا نشيرُ إليها من آيات القُرآن:
1- توحيد الربوبيَّة:
وهذا النَّوع من التوحيد مَعناه: الإقرار بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - هو الفاعل المُطلَق في الكون؛ بالخلق والتدبير، والتغيير والتسيير، والزيادة والنقص، والإحياء والإماتة، وغير ذلك من الأفعال، لا يُشارِكه أحدٌ في فِعله - سبحانه.
وقد أفصَحَ القُرآن عن هذا النَّوْعِ من التوحيد جدّ الإفصاح، ولا تَكادُ سُورة من سُوَرِه تخلو من ذِكره أو الإشارة إليه؛ فهو كالأساس بالنِّسبة لأنواع التوحيد الأخرى.
• وقد ذكَرَه الله - سبحانه - في عدَّة مَقامات في القُرآن؛ منها قوله - تعالى - في مَقام الحمد: ﴿ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].
وقوله - سبحانه -: ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الجاثية: 36].
• وفي مَقام التسليم أو الاستسلام لله يقول - سبحانه -: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71].
• وفي مقام التوجُّه وإخلاص القصد يقول - سبحانه -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
• وفي مقام تولِّي الله - عزَّ وجلَّ - يقول - تعالى -: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 14].
• وفي مقام الدُّعاء يقول - جلَّ ذكره -: ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 54، 55].
• وفي مقام العبادة يقول - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].
• وقد أقرَّ الكفَّارُ والمشركون بهذا النَّوْعِ، وسجَّل القُرآن الكريم ذلك وبيَّن عجزهم واعتِرافهم في غير آيةٍ منه؛ ومن ذلك قولُه - تعالى -: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ ﴾ [يونس: 31].
وقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9].
وقوله - جلَّ ذكرُه -: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ للهِ ﴾ [المؤمنون: 86، 87].
وقوله: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ﴾ [الزخرف: 9].
2- توحيد الألوهيَّة:
ومعناه: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله - سبحانه - هو الإله الحقُّ، ولا إلهَ غيرُه، وإفراده - سبحانه - بالعبادة.
وهذا التوحيد مَبنِيٌّ على إخْلاص العبادة لله وحدَه، في باطِنها وظاهرها؛ بحيث لا يكون شيءٌ منها لغيره - سبحانه - فالمؤمن بالله يَعبُد الله وحدَه ولا يعبُد غيرَه، فيخلص لله المحبَّةَ والخوف، والرَّجاء والدعاء، والتوكُّل والطاعة، والتذلُّل والخضوع، وجميعَ أنواع العبادة وأشكالِها.
وهذا النوع من التوحيد يتضمَّن في حقيقته جميعَ أنواع التوحيد الأخرى:
فيتضمَّن توحيد الله في ربوبيَّته، وتوحيده في أسمائه وصفاته، وليس العكس؛ من أجل ذلك كان هذا التوحيد أوَّل الدِّين وآخِره، وباطنه وظاهره، ومن أجلِه خُلِقتِ الخليقة؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحِّدين والمشركين، وعليه يَقَعُ الجزاء والثَّواب في الأولى والآخِرة، فمَن لم يأتِ به كان من المشركين"[6].
فهو أساسُ دعوةِ الرسل - عليهم السلام - وبه أُنزِلت الكتب السماويَّة، وعليه مَدار جميع العِبادات الشرعيَّة، وقد أبانَ القُرآن ذلك؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
وقال - سبحانه - عن نبيِّه نوح وهود وشعيب وصالح وغيرهم - عليهم السلام - لقومهم: ﴿ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾.
• وفي المحبَّة لله نهى عن اتِّخاذ الأنداد له فيها؛ فقال - سبحانه -: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ ﴾ [البقرة: 165].
• وفي الدُّعاء يقول - سبحانه -: ﴿ وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 106].
• وفي التوكُّل يقول - تعالى -: ﴿ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23].
• وفي الرَّجاء يقولُ - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218].
• وفي الخوف يقول - تعالى -: ﴿ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [النحل: 51].
• وفي سائر العبادات كلِّها يقول - سبحانه -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
3- توحيد الأسماء والصفات:
ومَعناه إجمالاً: الاعتقاد الجازم بأنَّ الله - عزَّ وجلَّ - مُتَّصِفٌ بجميع صِفات الكَمال، ومُنَزَّهٌ عن جميع صِفات النقص، وأنَّه مُتفرِّدٌ عن جميع الكائنات، وذلك بإثْبات ما أثبتَه الله - سبحانه - لنفسه أو أثبتَه له رسولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الأسماء والصفات الواردة في الكتاب والسُّنَّة، من غير تحريفِ ألفاظِها أو مَعانيها، ولا تَعطِيلها بنفيها أو نفي بعضِها عن الله - عزَّ وجلَّ - ولا تكييفها بتحديد كُنهها، وإثبات كيفيَّةٍ مُعيَّنةٍ لها، ولا تشبيهها بصفات المخلوقين.
وواضحٌ من هذا التعريف أنَّ توحيد الأسماء والصفات يقومُ على ثلاثة أسس، وهي:
1- تنزيه الله - جلَّ وعلا - عن مُشابهة الخلق، وعن أيِّ نقص.
2- الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسُّنَّة، دون تجاوُزها بالنقص منها أو الزيادة عليها، أو تحريفها أو تعطيلها.
3- قطْع الطمع عن إدراك كيفيَّة هذه الصفات.
وذِكرُ هذا النوع من التوحيد في القُرآن الكريم كثيرٌ جدًّا، بل إنَّه لا تخلو سورةٌ من سور القُرآن ولا صفحة من صفحاته من ذكر صِفات الله وأسمائه؛ فتجده مرَّة يُذكِّر بها في مختلف موضوعاته، من توحيدٍ وعبادةٍ وتشريعٍ، وفي مَقام أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وقصصه وأمثاله[7]، وقد جمَع الله جملةَ هذه الصفات في القُرآن في سورة الإخلاص وآية الكرسي وآخِر سورة الحشر؛ فقال - سبحانه -: ﴿ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].
وقال - تعالى -: ﴿ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8].
وقال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ* هُوَ اللهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22 - 24].
وفي التنزيه عن الشَّبيه والنَّظير والكُفء والمثيل يقول - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
ويقول - سبحانه -: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1-4].
وقال - سبحانه -: ﴿ فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأمْثَالَ ﴾ [النحل: 74].
رابعًا: الشرك:
أمَّا الكلام على الشِّرك، فستأتي الإشارةُ إليه في فصل الكبائر - إن شاء الله تعالى - ولكنْ نشيرُ إليه بشيءٍ من الإيجاز، فنقول:
"الشرك ضدُّ التوحيد، كما أنَّ الكُفر ضدُّ الإيمان؛ ومعناه: جعل شريكٍ لله - تعالى - في ربوبيَّته أو ألوهيَّته".
والغالب الإشراك في الألوهيَّة، بأنْ يدعو مع الله غيره، أو يصرف له شيئًا من أنواع العبادة؛ كالذبح والنذر والخوف والرجاء والمحبَّة، والشركُ أعظم الذُّنوب، وقد عدَّهُ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أكبرَ الكبائر في غير حديثٍ نبوي.
وقد ذكَر القُرآن الشِّرك وحرَّمه ونهى عنه وسمَّاه ظُلمًا، وتوعَّد صاحبه بعدَم المغفِرة والخلود في النار، كما بيَّن - سبحانه - أنَّه محبطٌ للأعمال:
فقال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
وقال - جلَّ ثَناؤه -: ﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].
وقال - سبحانه -: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88].
وقال - جلَّ ذكره -: ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
• وينقَسِمُ الشِّرك إلى نوعين: أكبر وأصغر، أمَّا الأكبر، فقد قال - تعالى -: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].
أمَّا الأصغر وهو الرِّياء، فيقولُ - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]*.
مواضيع مماثلة
» أهمية مسائل الإيمان
» النصيحة - إكتب نصيحة لمن بعدك وللجميع - دعوة للجميع
» فضل القرآن وأهله
» هجر القرآن أسباب وآثار
» خمسون كلمة في القرآن
» النصيحة - إكتب نصيحة لمن بعدك وللجميع - دعوة للجميع
» فضل القرآن وأهله
» هجر القرآن أسباب وآثار
» خمسون كلمة في القرآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى