قصة تسبيحة وأخواتها
صفحة 1 من اصل 1
قصة تسبيحة وأخواتها
قصة تسبيحة وأخواتها
"
عمر" طفل في الثامنة من عمره، وتلميذ في السنة الرابعة الابتدائية، ومدرسته قريبة من بيته
.
.
والاطِّ لاع، فالعلم نور كما يقول الكبار
.
أخذ من مكتبته كُتيِّ بًا صغيرًا بغلافة جميلة ملونة بصورة المسجد النبوي الشريف، وبعنوان مكتوب بخط واضح وجميل
:
"
الرسول
وصايا
من
للأطفال
".
جلس
"
عمر
"
وهو مسرور ليقرأَ عن وصايا الحبيب "محمد" صلى اﷲ عليه وسلم، وقد انتبهت حواسُّ ه، وطار النوم من
عينه، وقرأ الوصية الأولى، قال فيها رسول اﷲ صلى اﷲ عليه وسلم
:
((
اﷲ
كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان اﷲ العظيم، سبحان
وبحمده
)
)
[1]
.
وقال "عمر" وهو يكرر على لسانه هاتين التسبيحتين اللتين يحبُّ هما اﷲ؛ ليحبَّ ه اﷲ تعالى، وليثقل ميزانه يوم القيامة
:
سبحان اﷲ العظيم، سبحان اﷲ وبحمده
.
سبح
ان اﷲ العظيم، سبحان اﷲ وبحمده
.
سبحان اﷲ العظيم، سبحان اﷲ وبحمده
.
وأخذ يكرِّ رها مرة واثنتين وثلاثًا وعشرًا، وشعر أن النوم يغالبه وبدأ يبتعد ويبتعد عن عالم اليقظة، حتى أخذته سِ نةٌ من
النوم، ورأى في منامه نورًا يقترب منه ويقترب، حتى إنه أخفى وجهه من شدته وقال: من أنت؟
وسمع صوتًا يأتي من النور يقول له: أنا تسبيحة
.
قال "عم
ر" في دهشة: وما تسبيحة؟
!
قالت
:
اسمي تسبيحة، وعمري مئات السنين، جئتُ لأنك تناديني بلسانك، وقلبك يذكرني بإخلاص ﷲ تعالى، وأنا
أحببتك لأنك أحببتني، ومن أحبَّ ني وأحببته فاﷲُ يحبُّ ه ويُدخِ له جنته
.
قال "عمر
":
عرِّ فيني بنفسك؛ كي أحبَّ ك أكثر
.
قالت "تسبيحة
":
جيلاً بعد جيل حتى آخر الزمان
.
وحتى لسان الغافلين
-
إن تابوا ﷲ تعالى
-
فهم يعرفونني جيدًا؛ فأنا في قلوب الجميع
.
وإن سمعتَ يا صديقي رجلاً أو امرأةً أو طفلاً
يقول: "سبحان اﷲ"، فهذه أنا، وبيتي هو لسانه وقلبه
.
إن ذكروني ذكَرَهم اﷲ، وإن أحَبوني أحبَّ هم اﷲ تعالى
.
وقالت تسبيحة بفخر
:
أنا مَلِكةُ قلوب المؤمنين باﷲ
-
وهذا فضل اﷲ تعالى عليَّ
-
ولي أخوات مثلي
.
تجدُها معك
.
وأختي "تحَْميدة"، عندما تقول: الحمد ﷲ، تكون في قلبك
.
وأختي "تكبيرة"، عندما تقول: اﷲ أكبر، تجدُها بجوارك
.
.
قال "عمر
":
وكيف ذ
لك؟
قالت تسبيحة وهي تبتسم
:
لأن نبيك محمدًا رسول اﷲ صلى اﷲ عليه وسلم بشَّ ر كلَّ مسلم يعرفنا ويشتاق لنا ويحبنا
تكبيرة صدقة
)).
ثم سكتت تسبيحة وقالت بصوت ح
زين
:
!
يذكرنا على لسانه يومًا
!
كنت أنا وأخواتي نحاول أن نجعله يذكرنا عندما
يلبس ملابسَ جديدة، أو عندما يشتري له والده لعبة كان يتمناها وفرح
-
لأنه مشغول باللعب واللهو
-
:
لم يقل يومًا: سبحان اﷲ
.
لم يقل يومًا: الحمد ﷲ
.
لم يقل يومًا: اﷲ أكبر
.
لم يقل يومًا: لا إله إلا اﷲ
.
.
لكن "ماجدًا" كان ينسانا في أفراحه وأحزانه
!
ويؤلمني بشدة؛ لأنه كان يستحق كل خير؛ فهو ولد طيب يحب أباه وأمه، ويَبرُّ هما كما أمر اﷲ تعالى
.
لكن يا صديقي "عمر"،
بفضل اﷲ لم يَدُمْ هذا كثيرًا؛ فقد حدث ما لم يكن في الحسبان
.
قال عمر في لهفة: ماذا حدث؟
قالت تسبيحة له وقد أصبحا صديقين، يلتقيان دومًا كلما سبَّ ح ﷲ تعالى وذكَرَها
:
كان "ماجد" يركب سيارة المدرسة وكان منزله بعيدًا والسيارة تسير مسافة طويلة
.
طريق صعب
.
وفي يوم بينما
"
ماجد
"
عائد لبيته بعد انتهاء اليوم الدراسي، ركب سيارة المدرسة مع زملائه الذين كانوا يذكرون اﷲ في
الطريق، وعندما يذكرونني أنا وأخواتي كنت مسرورة وسعيد
ة؛ لأني معهم، وكان "ماجد" يجلس في مكانه خلف السائق
وهو يضحك ويلهو بلعبة معه ولم يذكرنا؛ لأنه لا يعرفنا
!
وعلى غير العادة زاد السائق من سرعة السيارة؛ حتى ينتهي من توصيل التلاميذ ليعود إلى بيته لوجود ضيوف عنده
.
ونسي أن في العجلة الندامة، وفي التأني السلام
ة
.
ولم ينتبه للطريق، وفجأة انحرفت السيارة وحطمت سور الكوبري، وكادت تسقط في النهر، ولو حدث لغرق الجميع
وماتوا
.
!
فتذكروني أنا وأخواتي، وكنت عند حسن ظنهم بي ورجوتُ من ربي إنقاذهم
.
واستجاب اﷲ تعالى برحمته وفضله وكتب للجميع عمرًا جديدًا، وتوقفت السيارة نصفها خارج الكوبري في الهواء،
والنصف الآخر على أرض الكوبري، وبسرعة أفاق السائق من الصدمة وقال: ليرجِ عِ الجميع للخلف
؛ حتى نحفظ توازن
السيارة ولا تقع في النهر
.
!
!
وأصاب قلب
"
ماجد
"
الخوف؛ فهو لا يريد أن يموت؛ فما زال صغيرًا
!
وشعر بأنه في حاجة شديدة ليذكرَني، ولأول مرة قال بلسانه: سبحان اﷲ، لا إله إلا اﷲ، اﷲ أكبر، وشارك زملاءه وهو
يبكي ويتذكر أباه وأمه، وكل ما مر بحياته من لعب ولهَْوٍ لن ينفعه لو مات
.
وأخذ يدعو اﷲ أن يسامح
ه عن تقصيره، وزاد من التسبيح والتهليل
.
حتى إنه شعر أن السكينة والطمأنينة تملأ قلبه الصغير؛ وقد قال تعالى في القرآن الكريم
:
﴿
أَلاَ بِذِكْ رِ اللَّ هِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ
﴾
[
الرعد:
٢٨
].
وقال الرسول الكريم صلى اﷲ عليه وسلم: ))يقول اﷲ
-
عز وجل
-
: أن
ا عند ظن عبدي، وأنا معه حين يذكرني، فإن
ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منه، وإن اقترب إليَّ شِ بـْرًا تقربت إليه ذِراعًا، وإن
اقترب إليَّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً
)).
وندم" ماجد" أنه لم يكن يذ
كرني على لسانه ولم يكن لي مكان في قلبه، ووعد اﷲ تعالى إن أنجاه اليوم من الموت،
سوف يذكرني دومًا أنا وأخواتي ولا ينسانا أبدًا
.
قالت تسبيحة: وبينما هم كذلك
-
بين الحياة والموت
-
شاء ربك يا صديقي "عمر" أن يكتب للجميع عمرًا جديدًا
.
فقد اتصل بعض أهل الخير
بالنجدة والإسعاف، والبعض الآخر أخذ يتعلق بمؤخرة السيارة ليمنعها من السقوط من
أعلى الكوبري في النهر
.
وجاءت النجدة وفرقة الإنقاذ والإسعاف بسرعة وسحبوا السيارة كلها بونش ضخم، والأطفال لا تكف ألسنتهم عن
قول: سبحان اﷲ، اﷲ أكبر، لا إله إلا اﷲ، وكانوا يذ
"
ماجد
".
ولقد أنجاهم اﷲ جميعًا، وعرف الجميع قيمتي ومكانتي
.
وكان الجميع سعداء
.
وكانت سعادتي أنا أكثر؛ لأن " ماجدًا" تذكرني أخيرًا، وكان صادقًا في وعده ﷲ تعالى، وظل يذكرني دومًا وهو في
السيارة عائد إلى بيته، وفي المدرسة وقبل أن ينام وفي كل وقت وحين، فكان حبي له يزداد يومًا بعد يوم
.
وأصبحنا صديقين حميمين مثلي ومثلك تمامًا
.
قالت ت
سبيحة وهي تتأمل "عمر" وقد شعرت أنه يبتعد عنها: هل تسمعني يا صديقي؟
ولكن "عمر" قد نام نومًا عميقًا، ودخلت والدتُه فأخذت كتاب
"
من وصايا الرسول
"
من بين يديه وطبعتْ على
جبينه قُبلةً بحنان، وقالت: نمَْ قريرَ العين يا ولدي
!
ولكن "عمر" لم يسمعها؛ لأنه لم يعد
في عالم اليقظة
.
ورأت تسبيحة صديقها نائمًا كالملاك، وعلى شفتيه ابتسامة رضًا فتركتْه وذهبتْ ؛ لأن هناك غيره يذكرها، والواجب
.
ولن أنساك إن لم تنسني أبدًا
.
تمت بحمد اﷲ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى