طاعة النبي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
طاعة النبي
إن من محبته تطبيق
أوامره، واجتناب نواهيه، ولقد كان صحابته الكرام رضي الله عنهم
من أعظم الخلق تطبيقًا لأوامره ،
وبعدًا عن نواهيه، كانوا أسرع الناس امتثالاً لما أمرهم به،
وأسرعهم اجتنابًا لما نهاهم عنه.
أنزل الله على نبيه تحويل القبلة من
بيت المقدس إلى الكعبة، وكان أهل قباء يصلون نحو بيت المقدس لم
يبلغهم الخبر، فجاءهم رجل وقال: يا أهل قباء، إن رسول الله
أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمر
باستقبال الكعبة، قال: فاستداروا نحو الكعبة[5].
استداروا نحو الكعبة في صلاتهم تطبيقًا لأمره
.
ومن ذلكم ما ذكره أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت في بيت أبي
طلحة أسقيهم الخمر، فجاء رجل فقال: ما بلغكم خبر تحريم الخمر؟ إن
الله أنزل تحريمها، قال أنس: فقال لي أبو طلحة: يا أنس، انهض
فأرق الخمر، قال: فأراق الصحابة الخمور، حتى جرت في المدينة[6].
كل ذلك امتثالاً لأمره، وسمعًا وطاعة له
.
قال عبد الله بن عمر: تختَّم النبي بخاتم الذهب، فلما ألقاه ألقى
الناس خواتمهم من الذهب[7]،
وتركوها اقتداء به .
في يوم خيبر نادى منادي النبي : إن
الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فلما بلغهم الخبر،
أكفؤوا القدور وإنها لتغلي بلحوم الحُمر[8]،
كل ذلك طاعة منهم له ، واستجابة
لأمره.
أنزل الله على نبيه:
وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ
[البقرة: 284] ـ فظاهرها أننا نحاسب على حديث أنفسنا ـ فجاء
الصحابة لرسول الله وجثوا على الركب،
وقالوا: يا رسول الله، كلَّفنا من العمل ما نطيق، الصلاة والصيام
والزكاة، وقد أنزل الله آية لا نطيقها أن الله يحاسبنا عن حديث
أنفسنا، فقال: ((أتريدون أن تقولوا
كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا
وأطعنا)) فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما اقترأها القوم، وذلت
بها ألسنتهم نسخها الله بقوله:
ءامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ
وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ
وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ
[البقرة:285، 286][9]،
فعفا الله عن حديث النفس، ولذا قال :
((إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت
به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا به))[10].
ومن آثار محبة الصحابة لمحمد ـ وهذا
الخلق يكون لكل مسلم أيضًا ـ أنهم كانوا يثنون على كل من وافق
سنته، وعمل بشريعته، تشجيعًا له لإظهاره السنة.
صلى أنس بن مالك رضي الله عنه خلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله،
فلما صلى، ورأى ما قام به عمر من تطبيق السنة في الصلاة، قال رضي
الله عنه: (إن أشبهكم صلاةً برسول الله هذا الفتى)[11]؛
لأنه رأى موافقته للسنة، وتقيده بها.
ومن آثار محبتهم رضي الله عنهم أنهم كانوا يعتبون على كل من خالف
سنته، ويغلظون القول عليه، تعظيمًا لسنة رسول الله
، أن يستخف بها ويستهان بها.
حدَّث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قائلاً: سمعت
رسول الله يقول:
((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى
المسجد فلا يمنعها))، فقال ابنه بلال: والله لنمنعهنّ،
قال الراوي: فسبّه عبد الله سبًا ما سمعته سبّه مثله قط، وقال:
أحدثك عن رسول الله، وتقول: لأمنعهنّ؟!![12].
انظر كيف غلظ عليه، قد يكون قصده اجتهادا لأنه رأى من النساء
شيئًا، يعني غيّرن فيه ما كان ماضيًا، لكنه ما أحبَّ أن يسمع
قولاً يصادم قول محمد .
حدَّث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
يقول:
((إياكم والخذف، فإنه يفقأ العين ويكسر السن ولا ينكأ عدوًا))
فقام رجل من بنيه فخذف فنهاه، فقام فخذف فنهاه، وقال: أحدثك عن
رسول الله وتفعل خلاف ذلك، والله لا كلمتك أبدًا[13].
وأيضًا: رجل من الصحابة، كان في يده خاتم ذهب، فأخذه النبي
وألقاه، وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده))،
فقيل للرجل: خذ خاتمك، قال: والله ما كنت لآخذه بعدما ألقاه
النبي [14].
هذه سيرتهم رضي الله عنهم الدالة على كمال المحبة لمحمد
، فإن محبته ليست دعوى باللسان،
ولكنها حقائق تظهر عند تطبيق الأوامر، واجتناب النواهي.
لما نوقش عبد الله بن عباس في متعة الحج، وأن الصديق وعمر وعثمان
رأوا أن الإفراد أفضل، قال لمن قال له: يوشك أن تقع عليكم حجارة
من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!!![15].
ولما قيل لعبد الله بن عمر: إن أباك ينهى عن المتعة وأنت تأمر
بها!! قال: أرسول الله أحق أن يتبع أم عمر؟![16].
كل هذا تعظيم للسنة، تعظيم لرسول الله، لما يدل على المحبة
الصادقة له .
أيها المسلمون، إن الله جل وعلا امتحن من ادعى محبته بقول:
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ
فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ
[آل عمران: 31]، فاتباع شريعة محمد
والعمل بها دليل على محبة الله جل وعلا.
فالمحب لله هو العامل بسنة رسول الله، المطبق لها، المنفذ لها،
الواقف عندها.
ولهذا يقول :
((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا
لما جئت به))[17]،
قال الله جل وعلا:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ
لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
[الأحزاب: 36] فأمر الله وأمر رسوله أمرٌ نافذ، ولا خيار لأحد في
ذلك.
فالمسلمون يعظمون سنته، ويرجعون كل نزاع تنازعوا فيه إلى كتاب
الله وسنة نبيه، يقول الله جل وعلا:
فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء
فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآَخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً
[النساء: 59]، وكان أئمة الإسلام يتبرؤون من أقوالهم المخالفة
لسنة محمد ، ويرون أن أقوالهم إذا
خالفت السنة وجب أن ترد ولا يعمل بها، ولا يلتفت إليها.
أمة الإسلام، إن محمدًا حذرنا من أن
نسلك معه مسلك اليهود والنصارى في أنبيائهم، فاليهود والنصارى
غلوا في أنبيائهم غلوّا خرجوا به عن منهج الله، بأن عبدوهم من
دون الله، واتخذوهم أربابًا من دون الله، ولذا نبينا
خاف علينا ما وقع فيه من قبلنا فقال
لنا :
((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا:
عبد الله ورسوله))[18]،
وقال أيضًا لنا :
((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان
قبلكم الغلو))[19].
وحذرنا من أن نتخذ قبره عيدًا، فقال:
((لا تتخذوا بيوتكم قبورًا، ولا تتخذوا قبري عيدًا، وصلوا عليّ
فإن صلاتكم تبلغني أين كنتم))[20].
وكان في آخر لحظة من لحظات حياته، يكشف غطاء على وجهه ـ وكان في
الموت ـ يقول: ((لعن الله اليهود
والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد))[21]،
((ألا فلا تتخذوا القبور مساجد))[22].
أيها المسلمون، بعض الخلق يدعي محبة النبي
، وإذا نظرت في أقواله وأعماله رأيته
مخالفًا لشريعة محمد ، والمسلم حقًا
صلتُه بمحمد صلة على الدوام في كل
الأحوال، فهو في وضوئه وفي صلاته وفي صومه وحجه وزكاته وكل
معاملاته مقتدٍ بمحمد ، في أكله وشربه
ونومه ويقظته، وفي كل تصرفاته، سنة محمد نصب عينيه دائمًا
وأبدًا، ما سمع منها عمل به ونفذه.
وأما أقوام يدعون المحبة، ولكن محبتهم له إنما تدرج في ليلة ما
من الليالي، قراءة أوراد أو سيرة أو قصائد شركية ضالة بعيدة عن
الهدى، ثم يدعون أنهم يعظمون سنته، وإذا نظرت في تصرفاتهم وجدتهم
بعيدين عن السنة في كل أحوالهم، لا في مظهرهم، والغالب أن مخبرهم
خلاف سنة رسول الله ، لا ترى لهم حكم
السنة، لا في آدابها، ولا في أوامرها، ولا بالبعد عن نواهيها،
ولكنهم مفارقون للسنة، وإنما يقضون ليلة ما من الليالي، ويزعمون
أنهم يحبون سنته، وأن تلك الليلة ليلة المولد، هي التي تذكرهم
به، وتقوّي صلتهم به، وتربطهم به، ولكنهم بعدها على خلاف شريعته،
وعلى خلاف سنته، لا يقيمون لها وزنًا، ولا يقدرونها قدرًا، وكل
هذا من مخالفة هدي النبي .
إن أحب الخلق إلى رسول الله صحابته الكرام، ولا سيما خلفاؤه
الراشدون، فهم أعظم الخلق محبة له، وما وجدناهم أقاموا لليلة
المولد وزنًا، ولا جعلوا لها ذكرًا، ولا أحيوها، لأنهم يعلمون أن
ذلك ليس من هدي محمد .
إنهم يعلمون متى ولد، وفي أي عام، وفي أي ليلة ولد، ومع هذا ما
أقاموا لذلك وزنًا، صاموا يوم الاثنين لأن النبي أخبرهم بأنه يوم
ولد فيه، ويوم أوحي إليه فيه[23]،
فصاموه اتباعًا للسنة فقط، لكن لما لم يشرع لهم نبيهم إحياء ليلة
من الليالي، ولا الاهتمام بها فإنهم تركوها، لا عن جهل ولكن
اتباعًا للسنة، ووقوفًا عند الشرع.
هكذا يكون المسلمون، فالبدع مهما حسنها أهلها، ومهما دافعوا عنها
فإنها مخالفة للشرع، لا يجوز اعتقادها، ولا العمل بها، ولا
إحياؤها، لأن المؤمن مأمور باتباع الكتاب والسنة، وعمله لا يكون
عملاً مقبولاً إلا إذا كان خالصًا لوجه الله، وكان على وفق كتاب
الله وسنة محمد .
أسأل الله لي ولكم التوفيق في الأقوال والأعمال، أقول قولي هذا
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب
فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
أوامره، واجتناب نواهيه، ولقد كان صحابته الكرام رضي الله عنهم
من أعظم الخلق تطبيقًا لأوامره ،
وبعدًا عن نواهيه، كانوا أسرع الناس امتثالاً لما أمرهم به،
وأسرعهم اجتنابًا لما نهاهم عنه.
أنزل الله على نبيه تحويل القبلة من
بيت المقدس إلى الكعبة، وكان أهل قباء يصلون نحو بيت المقدس لم
يبلغهم الخبر، فجاءهم رجل وقال: يا أهل قباء، إن رسول الله
أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمر
باستقبال الكعبة، قال: فاستداروا نحو الكعبة[5].
استداروا نحو الكعبة في صلاتهم تطبيقًا لأمره
.
ومن ذلكم ما ذكره أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت في بيت أبي
طلحة أسقيهم الخمر، فجاء رجل فقال: ما بلغكم خبر تحريم الخمر؟ إن
الله أنزل تحريمها، قال أنس: فقال لي أبو طلحة: يا أنس، انهض
فأرق الخمر، قال: فأراق الصحابة الخمور، حتى جرت في المدينة[6].
كل ذلك امتثالاً لأمره، وسمعًا وطاعة له
.
قال عبد الله بن عمر: تختَّم النبي بخاتم الذهب، فلما ألقاه ألقى
الناس خواتمهم من الذهب[7]،
وتركوها اقتداء به .
في يوم خيبر نادى منادي النبي : إن
الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فلما بلغهم الخبر،
أكفؤوا القدور وإنها لتغلي بلحوم الحُمر[8]،
كل ذلك طاعة منهم له ، واستجابة
لأمره.
أنزل الله على نبيه:
وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ
أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ ٱللَّهُ
[البقرة: 284] ـ فظاهرها أننا نحاسب على حديث أنفسنا ـ فجاء
الصحابة لرسول الله وجثوا على الركب،
وقالوا: يا رسول الله، كلَّفنا من العمل ما نطيق، الصلاة والصيام
والزكاة، وقد أنزل الله آية لا نطيقها أن الله يحاسبنا عن حديث
أنفسنا، فقال: ((أتريدون أن تقولوا
كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا
وأطعنا)) فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما اقترأها القوم، وذلت
بها ألسنتهم نسخها الله بقوله:
ءامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ
إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ
وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ
لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ
وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ
[البقرة:285، 286][9]،
فعفا الله عن حديث النفس، ولذا قال :
((إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت
به أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا به))[10].
ومن آثار محبة الصحابة لمحمد ـ وهذا
الخلق يكون لكل مسلم أيضًا ـ أنهم كانوا يثنون على كل من وافق
سنته، وعمل بشريعته، تشجيعًا له لإظهاره السنة.
صلى أنس بن مالك رضي الله عنه خلف عمر بن عبد العزيز رحمه الله،
فلما صلى، ورأى ما قام به عمر من تطبيق السنة في الصلاة، قال رضي
الله عنه: (إن أشبهكم صلاةً برسول الله هذا الفتى)[11]؛
لأنه رأى موافقته للسنة، وتقيده بها.
ومن آثار محبتهم رضي الله عنهم أنهم كانوا يعتبون على كل من خالف
سنته، ويغلظون القول عليه، تعظيمًا لسنة رسول الله
، أن يستخف بها ويستهان بها.
حدَّث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قائلاً: سمعت
رسول الله يقول:
((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى
المسجد فلا يمنعها))، فقال ابنه بلال: والله لنمنعهنّ،
قال الراوي: فسبّه عبد الله سبًا ما سمعته سبّه مثله قط، وقال:
أحدثك عن رسول الله، وتقول: لأمنعهنّ؟!![12].
انظر كيف غلظ عليه، قد يكون قصده اجتهادا لأنه رأى من النساء
شيئًا، يعني غيّرن فيه ما كان ماضيًا، لكنه ما أحبَّ أن يسمع
قولاً يصادم قول محمد .
حدَّث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
يقول:
((إياكم والخذف، فإنه يفقأ العين ويكسر السن ولا ينكأ عدوًا))
فقام رجل من بنيه فخذف فنهاه، فقام فخذف فنهاه، وقال: أحدثك عن
رسول الله وتفعل خلاف ذلك، والله لا كلمتك أبدًا[13].
وأيضًا: رجل من الصحابة، كان في يده خاتم ذهب، فأخذه النبي
وألقاه، وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده))،
فقيل للرجل: خذ خاتمك، قال: والله ما كنت لآخذه بعدما ألقاه
النبي [14].
هذه سيرتهم رضي الله عنهم الدالة على كمال المحبة لمحمد
، فإن محبته ليست دعوى باللسان،
ولكنها حقائق تظهر عند تطبيق الأوامر، واجتناب النواهي.
لما نوقش عبد الله بن عباس في متعة الحج، وأن الصديق وعمر وعثمان
رأوا أن الإفراد أفضل، قال لمن قال له: يوشك أن تقع عليكم حجارة
من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!!![15].
ولما قيل لعبد الله بن عمر: إن أباك ينهى عن المتعة وأنت تأمر
بها!! قال: أرسول الله أحق أن يتبع أم عمر؟![16].
كل هذا تعظيم للسنة، تعظيم لرسول الله، لما يدل على المحبة
الصادقة له .
أيها المسلمون، إن الله جل وعلا امتحن من ادعى محبته بقول:
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ
فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ
[آل عمران: 31]، فاتباع شريعة محمد
والعمل بها دليل على محبة الله جل وعلا.
فالمحب لله هو العامل بسنة رسول الله، المطبق لها، المنفذ لها،
الواقف عندها.
ولهذا يقول :
((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا
لما جئت به))[17]،
قال الله جل وعلا:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ
لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
[الأحزاب: 36] فأمر الله وأمر رسوله أمرٌ نافذ، ولا خيار لأحد في
ذلك.
فالمسلمون يعظمون سنته، ويرجعون كل نزاع تنازعوا فيه إلى كتاب
الله وسنة نبيه، يقول الله جل وعلا:
فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء
فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآَخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ
تَأْوِيلاً
[النساء: 59]، وكان أئمة الإسلام يتبرؤون من أقوالهم المخالفة
لسنة محمد ، ويرون أن أقوالهم إذا
خالفت السنة وجب أن ترد ولا يعمل بها، ولا يلتفت إليها.
أمة الإسلام، إن محمدًا حذرنا من أن
نسلك معه مسلك اليهود والنصارى في أنبيائهم، فاليهود والنصارى
غلوا في أنبيائهم غلوّا خرجوا به عن منهج الله، بأن عبدوهم من
دون الله، واتخذوهم أربابًا من دون الله، ولذا نبينا
خاف علينا ما وقع فيه من قبلنا فقال
لنا :
((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا:
عبد الله ورسوله))[18]،
وقال أيضًا لنا :
((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان
قبلكم الغلو))[19].
وحذرنا من أن نتخذ قبره عيدًا، فقال:
((لا تتخذوا بيوتكم قبورًا، ولا تتخذوا قبري عيدًا، وصلوا عليّ
فإن صلاتكم تبلغني أين كنتم))[20].
وكان في آخر لحظة من لحظات حياته، يكشف غطاء على وجهه ـ وكان في
الموت ـ يقول: ((لعن الله اليهود
والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد))[21]،
((ألا فلا تتخذوا القبور مساجد))[22].
أيها المسلمون، بعض الخلق يدعي محبة النبي
، وإذا نظرت في أقواله وأعماله رأيته
مخالفًا لشريعة محمد ، والمسلم حقًا
صلتُه بمحمد صلة على الدوام في كل
الأحوال، فهو في وضوئه وفي صلاته وفي صومه وحجه وزكاته وكل
معاملاته مقتدٍ بمحمد ، في أكله وشربه
ونومه ويقظته، وفي كل تصرفاته، سنة محمد نصب عينيه دائمًا
وأبدًا، ما سمع منها عمل به ونفذه.
وأما أقوام يدعون المحبة، ولكن محبتهم له إنما تدرج في ليلة ما
من الليالي، قراءة أوراد أو سيرة أو قصائد شركية ضالة بعيدة عن
الهدى، ثم يدعون أنهم يعظمون سنته، وإذا نظرت في تصرفاتهم وجدتهم
بعيدين عن السنة في كل أحوالهم، لا في مظهرهم، والغالب أن مخبرهم
خلاف سنة رسول الله ، لا ترى لهم حكم
السنة، لا في آدابها، ولا في أوامرها، ولا بالبعد عن نواهيها،
ولكنهم مفارقون للسنة، وإنما يقضون ليلة ما من الليالي، ويزعمون
أنهم يحبون سنته، وأن تلك الليلة ليلة المولد، هي التي تذكرهم
به، وتقوّي صلتهم به، وتربطهم به، ولكنهم بعدها على خلاف شريعته،
وعلى خلاف سنته، لا يقيمون لها وزنًا، ولا يقدرونها قدرًا، وكل
هذا من مخالفة هدي النبي .
إن أحب الخلق إلى رسول الله صحابته الكرام، ولا سيما خلفاؤه
الراشدون، فهم أعظم الخلق محبة له، وما وجدناهم أقاموا لليلة
المولد وزنًا، ولا جعلوا لها ذكرًا، ولا أحيوها، لأنهم يعلمون أن
ذلك ليس من هدي محمد .
إنهم يعلمون متى ولد، وفي أي عام، وفي أي ليلة ولد، ومع هذا ما
أقاموا لذلك وزنًا، صاموا يوم الاثنين لأن النبي أخبرهم بأنه يوم
ولد فيه، ويوم أوحي إليه فيه[23]،
فصاموه اتباعًا للسنة فقط، لكن لما لم يشرع لهم نبيهم إحياء ليلة
من الليالي، ولا الاهتمام بها فإنهم تركوها، لا عن جهل ولكن
اتباعًا للسنة، ووقوفًا عند الشرع.
هكذا يكون المسلمون، فالبدع مهما حسنها أهلها، ومهما دافعوا عنها
فإنها مخالفة للشرع، لا يجوز اعتقادها، ولا العمل بها، ولا
إحياؤها، لأن المؤمن مأمور باتباع الكتاب والسنة، وعمله لا يكون
عملاً مقبولاً إلا إذا كان خالصًا لوجه الله، وكان على وفق كتاب
الله وسنة محمد .
أسأل الله لي ولكم التوفيق في الأقوال والأعمال، أقول قولي هذا
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب
فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
كريم علي- مشرف المنتدى
- عدد المساهمات : 52
نقاط : 150
السٌّمعَة : 0
الجنس :
مواضيع مماثلة
» هل يُمكن رؤية النبي في اليقظة ؟
» حق النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة
» هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأكل
» السر الذي أذاعته حفصة فطلقها النبي
» حق النبي صلى الله عليه وسلم على الأمة
» هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأكل
» السر الذي أذاعته حفصة فطلقها النبي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى